ندوة حول تمثيل الأنبياء بين غياب النصّ وحضور الفتوى
يوم 28 أكتوبر 2016


سعيا منه إلى توضيح العديد من المسائل الدّينية الشائكة ومواكبة التطور التكنولوجي، أشرف مركز دراسة الإسلام و الديمقراطية على ندوة حول تمثيل الأنبياء في السينما بين غياب النصّ وحضور الفتوى وذلك يوم الجمعة 28 أكتوبر 2016 بتونس العاصمة.
استهلّ السيد رضوان المصمودي رئيس مركز دراسة الاسلام والديمقراطية، النَدوة مرحبا بالحضور منوّها إلى أهمّية هذه المسألة ومدى التَساؤلات الفقهية والفنّية المصاحبة لها.


بدأ الاستاذ سامي براهم محاضرته مؤكدا على أنّ ورقته تعدّ مساهمة في إثارة "جدل صحّي "حسب عباراته، في إطار المادّة المعرفيّة الَتي تعين على فهم هذا الجدل بين الفقه والإبداع.
أشار الأستاذ براهم، إلى أنّ الفراغ على مستوى النصّ القرآني أو النبويّ أدّى إلى نشاط العقل الفتوي فأنتج اتجاهات فكرية انقسمت إلى أطروحتين، من يجيزون تمثيل الأنبياء ومن يمنعون ذلك.
*فالذين يجيزون تمثيل الأنبياء في الأعمال الدّرامية والسينمائية استندوا في حججهم إلى فكرة حرّية الإبداع وحرّية التعبير وحرّية الاعتقاد. بحيث أنّ العمل الدرامي هو عمل "تخييليّ" وليس محاكاة للواقع مع إخضاع العمل إلى الضبط والتدقيق، أي الموازنة بين الطبيعة التخيليَة للدراما ومقتضيات الضبط والتحقيق الفقهي، واعتبروا أنّ الصورة الحيّة (السينما) هي حقيقة وواقع، فلا يمكن اليوم مصادرة أي شكل من أشكال التعبير، مؤكدين أن العصر الحاضر هو عصر الصورة، حتى ولم تمّ منع هذه الأفلام في البلدان العربية، سيتم نشرها على نطاق أوسع نتيجة ذلك المنع. قدّم المجيزون لهذه المسألة، تأويلا دينيّا، حيث أنّ القرآن والسنّة أكّدوا على بشرية النبيّ صلى الله عليه وسلم، كما تمّ ذكر التمثل في النصوص الشرعيّة وخير مثال على ذلك، تمثل الملك جبريل عليه السلام في صورة رجل عاديّ. وإضافة إلى ما سبق، تطرّق هؤلاء إلى قبول الديانتين اليهودية والمسيحية وحتى السياق الشيعي لفكرة التمثل والتمقص مهما اختلفت الحيل الفنّية.
وانتقل الاستاذ سامي براهم إلى الأطروحة الثانية الرافضة لتمثيل الأنبياء، وذكر أنه من أبرز الرَافضين الشيخ محمد الطَاهر بن عاشور إلى جانب جامع الأزهر الذي حرّم ذلك سنة 1926 لإيمانهم بأنّ هذا النَوع من الأعمال يعدّ مصادمة للعقل السنّي. وقد أكد الرافضون هذه المسألة مستندين إلى عدّة حجج نذكر أبرزها لضيق المقام .
أولاّ : إنّ جزءا هامّا من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم هي جزء من الوحي والرسالة الدينية وبالتالي يمكن أن تشهد ضربا من التقوّل والكذب على سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وهو ما يهّدد ضمان وصول مضمون الرسالة المحمدية إلى المسلمين وغير المسلمين.
ثانيا : لم يسمح علماء الدين بتجسيد النبي صلى الله عليه وسلم من حيث المبدأ رغم اتباع بعض الحيل السينميائية كعدم إظهار وجه النبي وإبراز صوته فقط، أو تحدث الراوي عوضا عنه.
ثالثا : تهديد القيمة العاطفية والهالة الروحية، فيصبح العوام متأثرين بالعمل السينمائي وليس بمضمون النصوص الشرعية كالآيات القرآنية والحديث النبوي الشريف. فتختل الصورة المثالية وتتقلص بفعل التقمّص.
رابعا : ليس هناك مصدر ديني يمكنه تقديم قصّة متناسقة لنبي من الأنبياء، فهناك العديد من الأجزاء متفرّقة على عدد من الكتب والروايات التاريخية، وبالتالي سيكون العمل الفني مملوءا بأحداث غير صحيحة شرعا مما سينتج عنه تشويها لسيرة الأنبياء.
خامسا : يتَسم المجال الفني في نظر علماء الدين بعدم الانضباط الأخلاقي وهو ما يتنافى مع قدسية الموضوع.
أخيرا: إنّ اختلاف روايات السيرة النبوية يمكن أن يوقع في الفتنة الدّينية. فمحمد الشيعة يصوَر على كونه مغدور ا من أصحابه وممنوعا من كتابة رسالته في آخر حياته. أمّا محمد السنَة فهو النبي المحاط بالصَحابة والذي سلم العهدة إلى أبي بكر ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى على مطمئنا.
وهكذا أنهى الأستاذ براهم ورقته طارحا العديد من الأسئلة الجوهرية التي يمكن أن تفتح آفاقا ونقاشا على غاية من الأهميّة، وهي التالية: هل يمكن أن يوجد تشخيص كامل لسيرة نبي من الأنبياء ضمن رؤية فنيَة وطبق ضوابط وشروط تقنية ولا دخل لأي جهة دينية في هذا العمل؟ أم أن التشخيص يجب أن يكون مراع للميولات الدينية للمسلمين مع وضع الحدود للفن و المبدعين؟
وخلال النقاش، تدخل أحد المشاركين ليسلط الضوء على عنوان الندوة، معتبرا أنّ عبارة غياب النصّ لا تستقيم والسياق، واقترح أنَه من الأفضل منهجيَا استعمال عبارة" الدلالة"، لكون النصوص بطبيعتها قليلة ومحدودة والوقائع متعدّدة ولا متناهية. كما أشار أحد الحضور إلى أنّ منع تجسيد النبي صلى الله عليه وسلم يعني أننا نتعالى بصورته البشرية والمقدسة وهو ما يمكن ينظر إليه من زاوية مغايرة، فيطرح إمكانية تجاوز هذه الحساسيات بين المجال المقدس والمجال الدنيوي للمضيّ نحو التطور وقبوله. كما درج معظم الحضور على أنه يجب التركيز على مدى تأثير هذا النوع من الأعمال السينمائية على العوام َمن المسلمين ودراسة الموضوع من حيث المضار والمنافع.
وفي الأخير، ختم الاستاذ سامي براهم الندوة مشيرا إلى ضرورة وجود تعاقد (Compromis) بين مواكبة الدين لتطور الصوت والصورة واحترام أصل الإبداع للحدود الشرعية عوض القيام بقطيعة بين الطرفين.
شاهد تسجيل الندوة