مركز دراسة الإسلام والديمقراطية
ندوة حول المجتمع المدني، الديمقراطية ودور الدّين
مقارنة بين التجربة التونسية وتجربة أمريكا اللاتينية
يوم 19 أكتوبر 2016


في إطار العمل على تعزيز الانتقال الديمقراطي في تونس، وتدعيم ثقافة الحرّية، أشرف مركز دراسة الإسلام والديمقراطية على ندوة عنوانها المجتمع المدني، الديمقراطية ودور الدّين بتونس العاصمة، حاضر فيها الدكتور فيليب أوكسهورن، أستاذ محاضر ورئيس قسم العلوم السياسية في جامعة ماغيل بمونريال، كندا.
استهلّ السيد رضوان المصمودي، رئيس مركز دراسة الإسلام والديمقراطية، الندوة مرحّبا بالحضور الكريم شاكراالسيد فيليب أوكسهورن على الحضور.
بدأ الأستاذ أوكسهورن محاضرته بإلقاء الضوء على وجود العديد من نقاط التشابه في ما يخصّ مظاهر الانتقال الديمقراطي في كلّ من التجربتين التونسية وبلدان أمريكا اللاتينية. وفي تعريفه للمجتمع المدني، نوّه الأستاذ أوكسهورن أنه لا يوجد تعريف موحّد لهذا المفهوم واعتبره مجموعة من المنظمات والجمعيات التي شكلها المجتمع بنفسه.
وفي هذا السّياق، أكّد الأستاذ أوكسهورن على أنّه من الصّعب أن تكون ديمقراطية من دون وجود مجتمع مدني، فيتأثر تنظيم الهيكل الاجتماعي، وتتعطل المشاركة السياسية في الشؤون العامّة للبلاد. وبالتالي، يعدّ المجتمع المدني آلية ضرورية لتسوية النزاعات داخل الدولة بطريقة سلمية من خلال مشاركة سياسة غير عنيفة.
ولضمان فعالية مشاركة المجتمع المدني، دعا الأستاذ أوكسهورن إلى أن يكون هناك الحدّ الأدنى من التوافق داخل المجتمع، من أجل مجتمع مدني قوّي متفق فيما بينه على أن الجمعيات والمنظمات هي جزء من مجتمع أكبر، تسعى إلى تحقيق الصالح العامّ، في إطار منظومة احترام متبادل بين مختلف الأطراف المكوّنة للمجتمع المدني.
وخلافا لنظرية رأس المال الإجتماعي في الولايات المتحدة الأمريكية التي تضع الثقة كشرط أساسي في حياة المجتمع المدني 'أكد الأستاذ أوكسهورن على وجود الثقة، مما يجعل دور المجتمع المدني يكون أكثر أهمّية. فغياب الثقة يدفع عناصر المجتمع المدني إلى العمل على ما يتماشى مع تحولات البلاد وبالتالي تبرز الثقة نتيجة لنجاح المجتمع المدني.

تناول الأستاذ أوكسهورن موضوع دور الدين في علاقته مع المجتمع المدني. فحسب رأيه، إنّ الدّين والمجتمع المدني يلتقيان ويتفقان على الوصول إلى نفس النتائج.
ففي أمريكا اللاتينية ذكر الأستاذ أوكسهورن أن معظم الأحزاب السياسية الكاثوليكية والمسيحية تعمل بانسجام مع مختلف الجمعيات والمنظمات المدنية، مشيرا إلى أن هناك بعض الجماعات الدينية الذين يسوقون لأنفسهم صورة مشاركتهم النشيطة في إطار المجتمع المدني، ذاكرا مثال كلّ من كوكلوكس كلان وإيزيس معتبرا إياهم جماعات متطرفة معادية للمجتمع المدني، فعلى كلّ جماعة دينية تقبّل حقيقة أنها جزء من نسيج واسع وإظهار استعدادها للتعايش مع الجماعات الدينية الأخرى.وفي هذا السياق، أكد الأستاذ أوكسهورن أن الأديان لا تحدّد بالجماعات المتطرفة داخلها.

أما فيما يتعلق بدور الجيش، فقد اعتقد الأستاذ أوكسهورن أنّ الجيش هو عامل مهمّ يمكّن من فتح المجال لتحقيق الديمقراطية داخل الدّولة. فإذا اختار الجيش قمع المواطنين والمجتمع المدني فهذا يعني أنه عمّق الأزمة ومنع الانتقال الديمقراطي وزاد من نسبة التصادم بين المجتمع المدني و أجهزة الدولة مما يؤدي إلى ثورات غير ديمقراطية ،أما إذا اختار الجيش العمل لفائدة المجتمع المدني فهدا يعني السير في طريق الانتقال الديمقراطي كما هو الحال في جنوب إفريقيا ودول أمريكا اللاتينية.
يعتبر الأستاذ أوكسهورن أن الديمقراطية الناجحة يجب أن تأتي من المجتمع المدني عن طريق المنظمات والجمعيات، مشيرا إلى أنّ التجربة يمكن لها أن تستغرق وقتا طويلا حيث يتفاوت الفترة الزمنية من تجربة إلى أخرى. فعلى سبيل المثال، كان التحوّل الديمقراطي في الأرجنتين أسرع مهما كان عليه في بلدان أمريكا اللاتينية الأخرى، نذكر منها الشيلي حيث استغرق التحول الديمقراطي في ما يقارب السبع سنوات قبل الوصول إلى تنظيم انتخابات ديمقراطية.


علاوة على ذلك، ذكر الأستاذ أوكسهورن دور الكنيسة الكاثوليكية المعاصرة التي لعبت دورا مهما للغاية في الدفع نحو التغيير الديمقراطي. فقد ساهمت في تسهيل نمو المجتمع المدني رغم معارضتها لبروز الجمعيات النسوية، فقد فهمت الكنيسة جيدا ضرورة وجود توافق مجتمعي كحدّ أدنى واقتنعت بحقيقة مفادها أنّ الحلّ الأمثل للتغيير في أمريكا اللاتينية هو تحقيق الديمقراطية.
أما فيما يتعلق بالتجربة التونسية، فقد اعتبر الاستاذ أوكسهورن أن حصول الرباعي الراعي للحوار الوطني على جائزة نوبل للسلام لسنة 2015 هو دليل على حضور التوازن في المجتمع المدني التونسي الذي تمكن من تسوية النزعات من خلال الوساطة وتقييد التطرف. وهو مختلف تماما عما حدث في مصر فغياب التوازن في المجتمع المدني المصري هو الذي دفع إلى تسيس الثورة في مصر. فظهور الأحزاب السياسية ومختلف الحركات الاجتماعية، لم يقابله قوى المجتمع المدني الذي لم يكن موحدّا على مستوى التنظيم. ممّا أدى إلى انقلاب وعرقلة الانتقال الديمقراطي في مصر.
وقد تمّ تأثيث الندوة بنقاشات قيمة، فقد أشار أحد المشاركين إلى دور القوى والدول الاجنبية في عرقلة الانتقال الديمقراطي في البلدان العربية فبالنظر إلى البيئة الاقليمية والدولية وما يجري من أحداث تدل على تداخل المصالح والسياسات الخارجية، ومدى تأثيرها على الدول التي شهدت الثورات مؤخرا. كما أثار رئيس الوزراء التونسي السابق علي العريض مسألة الدين والديمقراطية وتساءل إنّ كانت هذه المسألة مطروحة في أمريكا اللاتينية. فأجابه الأستاذ أوكسهورن أنّ زوال اليسار المتطرف في أمريكا اللاتينية وتعزيز التوفيق بين الأديان والمجتمعات على أساس من الإحترام هو الذي حدّ من التداخل والتشابك للمفاهيم. وخلال المناقشة، أكد بعض المشاركين على أهمّية إعادة تشكيل العلاقة بين مكونات المجتمع المدني وأولئك المواطنين الذين أرادوا البقاء خارج النشاط الجمعياتي بطريقة تحافظ على التواصل الدائم بين كلا الطرفين من دون أن تستفيد النخبة من هذه الوضعية فتصبح هي المنتفعة وتبقى تلك الطبقة مهمّشة.